يتسلل.. احياناً.. الى تفاصيل الحركة في حياتنا، احداث نكتشف انها لونت «المزاج» باللون الاسود الغامق، هذه الاحداث قد يولدها قرار او مجرد كلمة من المسؤول، او تعليق من زميل او حتى ملاحظة من قريب، وربما تولد احياناً من موقف كان ظالما لم يتحر الحقيقة، والاغرب ان هذا المزاج السوداوي قد يأتي لاسباب غياب حدث ما، حين تنتظر النفس حدوث شيئ لكنه لا يحدث، وبغيابه يتم اغتيال امل او تطلع او امنية او حتى مجرد توقع، والراصد لاحداث ومواقف «تلوين» المزاج باللون الاسود يجدها كثيرة لا تغيب عن الغالبية منا، حتى ليخال لاحدنا ان تكرارها في زمن محدد، كالاسبوع مثلاً، يأتي وكانه مرسوم باصرار وترصد، ليدفع البعض الى القول، ان تعكير المزاج صار جزءاً من قدره.
وعلى الرغم من تكرار لا ينقطع لاحداث «تسويد المزاج» وغالباً للاسباب نفسها، وربما من الاشخاص ذاتهم، الا اننا نقف امام الحالة التي قد تكون وحيدة وفريدة في حياتنا، حين لا نتعلم من التكرار حيث تبقى الاحداث نفسها مصادر تعكير المزاج، وتبقى ردود افعالنا تجاه هذه المواقف تقوم على الصيغة والشكل ذاته، وغالباً ما نصل الى تصنيف هذه الحال من مزاج سوداوي قاتم على انها « اكتئاب» ونظرا لطبيعة الاحداث التي انتجته والتي يستحيل ان تخلو منها حياه اي فرد منا، نصف هذا الاكتئاب بانه دائم، وللحقيقة فليس منا من لم يوقع نفسه في هذه الحفرة ولمرات عديدة وبازمان متقاربه.. فها نكون عندها في حالة اكتئاب حقيقي؟
الغريب.. مع حالة اكتئابنا غير العلمية هذه، اننا حين يواجهنا صديق او عزيز او قريب يهمه امرنا بسؤال عن اسباب حالنا، نندفع بقوة لننفي وجود الاسباب، ونؤكد باصرار انه مجرد احساس، ونصر على انه ليس هناك من سبب لاكتئآبنا، وبشكل يوحي اننا نصدق ما نصر عليه من غياب الاسباب، في حين نعلم تماماً ان هناك سببا وان السبب ولد عن حدث او غياب حدث، لكننا مكابرة لا نريد ان نعترف بهذا ولو حتى لانفسنا، وعندما يأتينا الاصرار من الطرف الباحث عن سبب اكتئابنا، نختفي وراء انكار المعرفة بهذا السبب هذا ان كان هناك من سبب غير تلك التي نتعرض لها باستمرار.
ليس حقيقة علمية اننا حين نكون على هذه الحال نكون في حالة اكتئاب، فالاكتئاب مرض يصيب النفس وهو يُعرف باعراضه وحين يقع في النفس تمس الحاجة الى علاجة، لانه لا يرحل من ذاته،اضطراب يجتاح النفس البشرية فيعتل فيها المزاج ويتاثر بنتيجة ذلك سلبا السلوك والتفكير والتصرف، يرافق هذا احباط وملل وعزوف عن مباهج الحياة وسيطرة التشاؤم، وغياب الامل بالحاضر والمستقبل، وغير هذا من اعراض يفصلها علم النفس الذي يؤكد ضرورة المعالجة الحكمية حين يتأكد الاكتئاب.
يبقى السؤال : هل حين يقلقنا قرار مسؤول أو توبيخه أو مرور حدث طارئ أو عدم وقوع ما تتمناه النفس، أو يجرحنا تعليق زميل حاسد، أو لا تروق لنا ملاحظة قريب عجول، حين يقع هذا أو مثله الكثير في حياتنا اليومية هل تكون النتيجة التوجه صوب «الاكتئاب» والدخول عبر بوابته إلى فضاءات التشاؤم واليأس وإسقاط حوافز الحياة.. وما إلى ذلك من ظواهر؟! اغلب الظن اننا نبالغ. ان ما يحدث هنا.. هو تعكر المزاج وهذه حالة يجب ان تختبرها، حتى يمكن ان نستمتع حين يكـون « المزاج رايقا».